لماذا نكتب، لماذا نترجم؟: نحو ديالكتيكية ميتافيزيقية

مقدمة

عندما وصلني بريد الزميلة مايا، الذي دعتني فيه للكتابة لمجلّة "كحل" كنتُ أعدّ نفسي لكتابة قصيدة جديدة لباسم في ذكراه الثامنة. ولئن كان النصّ-الدعوة طويلاً جداً، زاغ نظري، أصلاً لم يكن ينقصني المزيد من التشوّش والزوغان، لكن هكذا كان الحال، وما باليد حيلة. ولكن بعد أن استجمعتُ قواي، وجلستُ، محاولاً التركيز، قلتُ لنفسي، وبصوت مرتفع: من أين تأتي مايا، وهيئة التحرير، بكلّ هذه الطاقة؟ والصبر والجلَد لكتابة كلّ هذا النصّ، والمثابرة مع الكتّاب والكاتبات للحصول على عدد جديد؛ بانتظار حصولي، والقرّاء والقارئات على جوابٍ شافٍ على سؤالي الأخير، سأجيب عن السؤال بشيء من السيرة الذاتية، مستكملاً مقالي السابق. المقال شديد الخصوصية، أعتذر سلفاً عن أيّ حزنٍ أو كسرٍ روحيٍّ قد يسبّبه في نفوس القرّاء والقارئات.

 

باسم

بدأ كل شيء في ليلة ٣٠ أيلول/ سبتمبر عام ٢٠١٤، يوم غادرتُ غرفته. كان باسم غارقاً في شاشة حاسوبه، يرصف الكلمات وسط كل ذلك الضوء القويّ. ودّعتُه وخرجت. أغلقتُ الباب خلفي. ما زال صوت الباب في أذنيّ.

بعد ساعات، حصل المعلوم. لم يعد باسم موجوداً. لم أشاهده ميتاً، رغم وجودي في الشقّة، أو شقّة الجيران على وجه التحديد. لم أشارك في دفنه. سكبتُ دمعاً لا يعدّ ولا يحصى. وكتبتُ أوّل المراثي له: "باسم، كأنك دخلت في النص". قرأتها يوم تكريمه. حاملاً ورقة بيدين ترتجفان وعنق يحمل حنجرة تغالب الدموع وغياب الصوت.

بعد أسابيع قليلة شاركت مع رفيقة، في تحرير المجلة التي حملت ملف وداعه. عملنا ١٢ ساعة متواصلة. كنا قد أصبحنا في نهاية شباط/ فبراير. كان الطقس بارداً. كانت السماء غائمة. كان باسم يخرج من الكلمات. كان بصري يزوغ مع خروجه، فكتبت المرثية الثانية: "عندما يخرجون من الكلمات".

لكنه لم يخرج.

بين هذين التاريخين، وبعدهما، انكببت على تحرير كل ما كتبه، وترجمة النصوص التي نشرت له، أو عنه، في مجلات بلغات أخرى. كنت بذلك أطبق قصيدة وديع سعادة، "استعادة شخص ذائب"، كانت دليلي الثوري. كنت أبحث عن طريقة لإعادته حيّاً، كنت أحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. فشلت في ذلك.

وبذلك، إضافةً إلى أمور أخرى تحتاج إلى مقال آخر وأطول، بدأ التلاشي والانحدار. فاخترت العزلة والانقطاع، طيلة سنوات طويلة. أمضيت أغلبها نائماً. لم تكن جائحة الكوفيد هي السبب ولا البرد، ولا الإضرابات، ولا انتفاضة ١٧ تشرين. كانت كلّها مجتمعة هي الأسباب. تعلّمت القراءة من جديد، لكنني لم أشبع. لم أرَ التجسد الذي لطالما بحثت عنه. إلى أن شاهدت فيلم جعفر بناهي: "هذا ليس فيلماً".

 

دمعة جعفر

ربيع عام ٢٠٢١، بعد أن شاهدت أغلب أفلام جعفر بناهي، خلال عطل جائحة الكوفيد، بقي أن أشاهد "هذا ليس فيلماً". كنت قد تركته جانباً، لأنني كنت أحدس وأشعر بأنه الفيلم الذي يجب تركه لمشاهدته في نهاية الأشياء. على الرغم من معرفتي أن توقعي للنهايات يمحو عنها هذه الصفة. لأنه بحسب اعتقادي، النهاية تكون صاعقة ومفاجئة، أو لا تكون.

بأي حال من الأحوال. كان جعفر في الفيلم مرتدياً الأسود من رأسه حتى أخمص قدميه. مضَعضَعاً مدخّناً شارداً ضعيفاً متوتراً ساخراً. كانت كل الصفات فيه، صفات الهزيمة، صفاتنا كمهزومين.

ما لفتني في الفيلم ثلاث لقطات: الأولى، كانت عندما استعاد تمرّد مينا، الطفلة الصغيرة التي أرادت العودة إلى منزلها، وفجأة في وسط الفيلم تتمرد على طاقم العمل، وتخلع الجبس من يدها والحجاب عن رأسها، وتأمر سائق الحافلة وكلّ ركّابها بلهجة شديدة، ومبشِّرة، وهي ابنة الـ ٨ سنوات بالتوقّف الفوري وإنزالها منها.

اللقطة الثانية، هي عندما ضاق حسين ذرعاً بحديث بائع الذهب، حيث تضمن مضمون كلام الأخير، إضافة إلى لهجته وطريقة تحرّكه، تعالياً على حسين. على الرغم من أن الممثل، غير المحترف، يعلم أن المشهد هو تمثيلي، لكن فعلياً أصيب بإعياء كما لو أن المشهد قد حصل في طابور أمام فرن خبز أو أمام محطة وقود.

اللقطة الثالثة، كانت الصاعقة. كانت الوحي. خلال شرح جعفر لسيناريو فيلم لم يسمح له الأمن بتصويره، فتوعّك جعفر وقال الجملة التي حفرت، وما زالت، في أعماقي: "إذا كنّا نستطيع إخبار [مضمون] فيلمٍ ما، فلماذا نصنع الأفلام؟"، وخرج مسرعاً من الغرفة. خلال هذه اللحظات كنت نائماً على الكنبة، فوجدت نفسي جالساً أحاول دخول الشاشة، وإكمال المشهد عن جعفر.

منذ تلك اللحظة، استعدت رويداً رويداً قدرتي على الترجمة، الكتابة بمقدار أقلّ بكثير، ولكن خلال كل الوقت بقيت أفكّر ما الذي تغيّر؟ ما الذي حصل؟

 

التمهيد للتفسير

خلال ممارسة مهنة التعليم، لفتني ممارسات جسمانية يقوم بها التلاميذ، تترافق مع فرحهم أو حزنهم أو غضبهم. على سبيل المثال، إذا كان التلميذ من سهل البقاع، وكان يشاركنا بخبر أو طرفة، في أغلب الأحوال ستتحرّك يده أو يداه لرسم خط أفقي بشكل سريع. لم يحصل هذا المشهد مرّة واحدة، وإلا كنت نسيته، إنما تكرر كثيراً. كأنه يحاول استحضار أو يستجلب السهل بخيراته وكرمه ليشاركه بحالته الانفعالية وشعوره. هو يعلم أن السهل بعيد. وأنه يعيش الآن بين مربّعات ومكعّبات من الباطون والاسفلت الرماديين. لكنه بهذه الحركة يستحضر شيئاً عزيزاً وكريماً، كأنه يقول، دون أن يقول، تعال واجلس معي واسمع منّي كل ما يضحك، ما يحزن وما يغضب. وما أكثر الأخيرَين!

لا تنحصر هذه الحركة بأبناء البقاع، فأولاد الجرود، وخاصة المناطق المحتوية على صخور شاهقة، يرسمون خلال انفعالهم خطوطاً عمودية تشبه الصخور، والصخور أيضاً كريمة، تختبئ خلفها حفنة من التراب، بنى أجدادهم جلولاً صغيرة، لحفظ التربة، يزرعونها لتعطيهم ما يكفي لسدّ رمقهم في سنوات الشدّة، ككلّ سنواتهم.

في طفولتي، اعتقدت أن الجلول هي أوسع ما يمكن أن يعثر عليه الإنسان، كنّا نختار أكبرها، حتى نلعب كرة القدم. اليوم، عندما أنظر إلى الجَلّ/الملعب، أراه شديد الصغر، ولا أعرف كيف كان يتّسع لكل تلك الأعداد من الأطفال. لكن تلك الجلول تفككت، ربما حزناً أو وحدة أو ضجراً، فاستحقّت رثاءً منّي لها، ولكلّ الماضي الذي حاولت إحياءه وإنعاشه، وفشلت.

بعد نهاية الحرب، اتجهنا صوب البقاع، ومن تلّة ضهر البيدر أشرفنا، على سهل كبير أبدي وأزلي. أصبت بالشهقة، وما زلت. وعندما باتت السيارة في السهل، كان المشهد أكثر كثافة لناحية حجم الخصوبة، وكثرة الإنتاج، إلى حدّ يفوق التصوّر. إلى حدٍّ تضاءل معه الجَلّ/الملعب.

 

محاولة تفسير

بعد سنوات عديدة، جاء العقد الأول من الألفية الثانية، حاملاً معه الآلاف من المهجرين، وحين تحصل الكارثة/الكوارث يحضر الكواسر. لا، عفواً، الكواسر أرق وأرحم، دعوني أسمّي الأشياء بأسمائها. عندما حلّت أزمة اللجوء بفعل التهجير الذي حصل على يد النظام السوري والمجموعات المسلّحة، حضر الكولونياليون الجدد، لضخّ وشفط الأموال.

بالطبع، ليس موضوعي ههنا المجتمع المدني ومنظماته غير الحكومية، ولكن ما لفتني بالموضوع هو أن القاسم المشترك الذي لاحظته بين كبار الموظفين في هذه الجمعيات، هو تصويرهم لسهل البقاع.

ادخلوا إلى حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وستجدون عند أغلبهم صوراً جميلة جداً لهذا السهل. حتى في أحاديث بعضهم سيكون لسهل البقاع حصّة كبيرة من التقدير.

وهنا بالضبط، تكمن المعضلة، أو ما يضحك ويبكي في الوقت عينه. مراهق يستحضر منطقته العزيزة لتشاركه انفعالاته. بيروقراطي من كبار الأنجيؤزيين يستحضر نفس المنطقة ليس لنفس الأسباب، بالطبع، إنما كاستعارة مكثفة لمكان/أزمة كان سخياً، جداً. الدم يسيل من فمه.

لا يقتصر الأمر على كبار المؤنجزين، إنّما كم هي الأزمات فرصة للبرجوازيين لاستعراض تفوقهم وانتصارهم، والأزمات في النظام الرأسمالي، هي دائمة ومستمرة، تخفت وتتسارع بحسب دورتها، والتي تلتفّ بكل أسف على رقابنا أكثر فأكثر. يمكن لأي مستمع/ة لنشرات الأخبار على الأقل منذ ٣ سنوات أن يسمع لازمة يردّدها الجميع، من كلّ الاتجاهات السياسية، وهي: نريد اقتصاداً انتاجياً، نريد زيادة الصادرات. فلنأخذ مثلاً على إحدى شركات صناعة النبيذ، التي فازت بجائزة ذهبية لجودة منتجاتها، فاستعارت من التراث الفلّاحي الشعبي عبارة: "تمسك التراب، يصير ذهباً"، هل البرجوازي الصناعي ههنا يعلمنا الديالكتيك والتحوّل الكمّي والنوعي، كلا، هنا هو يزيد أرباحه على حساب عشرات العمّال/العاملات، يسرق الأمثال الشعبية، ويتباهى مع صحبه بثرواته المكدسة والمتراكمة مع ابتسامات بيضاء برّاقة لفلاشات الكاميرات، ومجتمعات النفاق، في حين يظهر الكادحون/ات، إن ظهروا/ن، بصور مبهمة وغير واضحة، فالأصل، بالنسبة للبرجوازي هو الشجيرة المزروعة (الذهب) والتراب (الملكية الخاصة)، القائم على استغلال هائل ويفوق التصوّر.

قد يقول ماركسي حنبلي: "الاستغلال قائم، ومستمر، وليس وليد اللحظة". نعم، صحيح، ولكن، فلنقرأ التباهي الوارد في تغريدة النائب الثوري جداً، مارك ضو: " نمت الصادرات الغذائية الزراعية المرتكزة خصوصاً على العنب والتفاح بنسبة 51 في المئة لتصل إلى 949 مليون دولار خلال الفترة 2019-2021. وارتفعت صادرات المكسرات والفاكهة، 5.6 مرات أي إلى 404 ملايين دولار. وزادت صادرات المشروبات والمياه المنكهة والغازية بنسبة 64 في المئة إلى 97 مليون دولار. كما نمت صادرات التوابل والمستحضرات الغذائية المماثلة بنسبة 49 في المئة لتصل إلى 67 مليون دولار…".

هل تحسّن سعر الصرف؟ كلا. هل تحسّنت رواتب العمّال والمزارعين؟ كلا، من لا يعجبه، هناك فائض الفائض من العمّال والعاملات. هل تحسّنت ظروف العمل؟ أنظر(ي) إلى الجواب السابق. الضمان الاجتماعي؟ الجواب السابق. بدل النقل؟ الجواب السابق. الدم يسيل من فم البرجوازي.

ولكن، سيكون دماً.

خلال شباط الماضي، ترجمتُ ورقة لرزان غزاوي، لفتني فيها مقطع لفرانتز فانون من كتابه "معذّبو الأرض":

إن أول شيء يتعلّمه السكّان الأصليون هو أن يلزموا أماكنهم، وألّا يتجاوزوا الحدود. لذلك كانت الأحلام التي يحلمها السكّان الأصليون أحلاماً عضلية، أحلام فعل، أحلام هجوم وعدوان. أنا أحلم بأنني أثب، بأنني أركض، بأنني أتسلّق. أحلم بأنني أضحك، بأنني أجتاز نهراً بقفزة، بأن طائفة من السيارات تطاردني ولا تدركني. إن المستعمَر، أثناء الاستعمار، لا يفتأ يحرّر نفسه من الساعة 9 مساءً إلى الساعة 6 صباحاً.

فرانتز فانون- معذبو الأرض صفحة 51-52، ت. سامي الدروبي وجمال أتاسي

قلت وقتها، لا بدّ من أن هذه الفقرة تفسّر هذه الحركة الأفقية (أو العمودية) التي يقوم بها التلاميذ. لست عالماً أنثروبولوجياً، ولن أكون، لكنني متأكّد من أنهم يستحضرون لا إرادياً أمكنتهم الحبيبة، الكريمة، المفتقَدة بتلك الحركة. في حين يستحضر الكولونياليون والبرجوازيون المحلّيون هذه المنطقة بالذات، أي سهل البقاع، لأسباب نقيضة تماماً.

هذا ما سعيتُ إليه، وما زلت. فبعد أن استعدت قدرتي على الترجمة، بقيت اختياراتي للنصوص التي ترجمتها، وسأترجمها، مرتبطة بأمرين أساسيين، غير مرتبطين ببعضهما البعض بالضرورة: الأول، أن يكون الكاتب/ة قد توفي بسن مبكرة، الثاني، أن يكون الموضوع أو الثيم قد انتهى بهزيمة.

نعم، أعلم أنني أجازف بكشف كل أوراقي، في هذا المقال، لكن السببين هما بالضبط، لأنني أحاول إعادة خلق وإحياء الشخص الميت، وإعادة الموضوع إلى النور، طالما أنه بات في غياهب الأوراق الصفراء أو دهاليز الانترنت. لا يكترث إليه أي أحد. لا أريد أن يموت الموتى، لكنني لن أستطيع تحويل التراب إلى ذهب، لأنني لست برجوازياً، ولن أستطيع تحويل المياه إلى خمر، لأنني لست المسيح.

 

نحو ديالكتيك ميتافيزيقي للترجمة

أنا أعلم بأنني أجازف مرة أخرى، أيما مجازفة، باستعمال هذه العبارة، ديالكتيك ميتافيزيقي، لأنني على علم أن دعاة المادية التاريخية والديالكتيك المادي، سيشحذون أقلامهم لرشق والاستهزاء بهذا المفهوم. خاصة ما الذي يجمع بين الديالكتيك والمادية التاريخية بالميتافيزيق. حسناً، كما كنّا نجمع المركزية بالديمقراطية، و"ننفتق" لشرح صحتها ودقّة ما قاله الرفيق لينين، فلا بأس بالقليل من التحريف. أصلاً، الرفيق لينين كان "محرّفاً" بنظر أعضاء الأممية الثانية. وأنا ميكانيكي. هكذا، أوفّر عليكم عناء لصق الصفات بي.

توضيح لغير الماركسيين/ات: المقطع السابق هو مناكفة بين أبناء التيار الواحد المتعدد، قد يعتبرها البعض نكتة داخلية، في حين لا أعتبرها كذلك. فكل كلمة منها بذلت تضحيات جمّة من أجلها حتى تكون الحياة أفضل، الآن وهنا، وفي ذلك الكثير من الخلق والتجسد الأرضي. (انتهى التوضيح)

في السياق عينه، نقل الرفيق الراحل نيل دايفدسون، الذي توفي باكراً نسبياً أيضاً، ٦٣ عاماً، عن حنا بطاطو كيف تعرّف أحد الأشخاص المتدينين إلى العقيدة الماركسية، كان الأمر، بالنسبة له، شبيهاً "بالوحي": "كان يقرأ كتاباً محظوراً عبرت برأسه فكرة أن الفروقات بين البشر ليست من صنيعة الله إنما كانت لأسباب إنسانية وتاريخية، وكانت تلك الفكرة بالنسبة له "شبيهة بالوحي"".

هذا بالضبط الذي حصل معي خلال ترجمة ملخص رأس المال، وتحديداً الفصلين الأخيرين منه، وهما الأطول من بقية فصول الكتاب، وما انفكّت دموعي تتساقط طيلة الأيام التي عملت فيها عليهما.

في ذلك تحوّل نوعي يحصل لحياة البشر، لحياة القيادي الشيوعي، لحياتي، سواء عندما فشلت في إحياء باسم أو بعودتي لمحاولات أخرى، أو في ردة فعل مينا وحسين في فيلمَي بناهي، وهنا بالضبط يكمن الديالكتيك.

في حين، يكمن الميتافيزيق في رغبتنا بإبقاء لحظة التمرّد والوحي والتعلّق بالأشخاص واستدامتها. وبسبب ذلك، ما زلتُ (والآلاف مثلي)، وبناهي (والمئات مثله) ومينا (والآلاف مثلها) وحسين (والآلاف مثله) والقيادي الشيوعي (والآلاف مثله)، نحاول رفع الراية، ولو مجازاً.

وهنا بالضبط، تكمن خطورة الكلمات والأشعار والأفلام والمسرحيات والملصقات. ولهذا السبب تفرض الأنظمة يدها الثقيلة عليها، لأنها تعلم تماماً أثرها في حياة الناس.

 

خاتمة

أنا أعلم أنني بدوت متفائلاً في آخر النص، وهذا ما يوتّرني، لأنه ليس هذا واقع الحال، لا أريد رَمْنسة التفاؤل ولا التشاؤم، أعلم أنني أقوم بمحاولات، من كنبة إلى أخرى، ومن البيت إلى العمل، هذا كل ما في الأمر، أعلم أن النظام، برؤوسه الكثيرة، قد انتصر، وأن الأمور صعبة للغاية. أعلم أن الأفكار السوداوية تتزاحم، لكنني أيضاً أحفظ عن ظهر قلب مطلع قصيدة خالد الإسلامبولي للشاعر أحمد فؤاد نجم، وأردده دوماً: "منين أجيب ناس لمعناة الكلام".

ليس في الجملة تعالياً أو نخبويةً ما، لأنني أعلم أن "مسدس سالي حافظ" سيكون حاضراً، من جديد، ورشاش كريستيان غازي كذلك، تكفي رصاصة، فلتكن من صنع سركون بولص. ستكون النار مشتعلة، كنهاية فيلم جعفر بناهي: "هذا ليس فيلماً".

هذه ليست حياة.